"المواطنة في مواجهة الطّائفية والإرهاب"، عنوان الندوة التي نظَّمها ملتقى الأديان والثقافات واتحاد الحقوقيين العرب في قاعة جمعية التخصّص والتوجيه العلمي، وحضرها حشد من الحقوقيين العرب وشخصيات علمائية ونيابية وثقافية واجتماعية.
بعد النشيد الوطني وتقديم الأستاذ عمر الزين، ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله كلمة الافتتاح التي شكر فيها اتحاد الحقوقيين العرب على دعوتهم له، وقال: "إن هذه الحرب الدائرة في المنطقة، ما كانت لتحصل لو لم تكن هذه الدول تحمل في بنيتها وفي جوفها كل العناصر السياسية والطائفية والقومية والعرقية التي تجعلها قابلةً للانفجار، وهذا ما نراه يبرز بشكلٍ واضحٍ عندما تختل فيها المعادلة السياسية وموازين القوى الداخلية التي تتحكم بمسار هذا البلد أو ذاك، وما يستتبعه ذلك من استدراج القوى الدولية والطامحة للعب أدوارٍ كبيرةٍ للتدخل. ولعلّ أحداث الربيع العربي خير شاهدٍ على ما نقول".
وأضاف: "إن أحد الأسباب الأساسية للمشكلة، هذا الاختلال في العلاقة بين السلطة والشعب، التي تأسّستْ على مصادرة السلطات لحقوق المواطنين، واستناد بعضها إلى غطاءٍ ذي بعدٍ طائفيٍ، بالشكل الذي يجعلها موضع استفزازٍ لكلّ ألوان الطيف الوطني، وموضع تهديدٍ للتنوّعات الاجتماعيّة والطائفيّة الّتي لا يكاد يخلو منها بلدٌ من البلدان".
وأوضح سماحته: "إنّ الطائفة تقوم في جوهرها على قيمٍ أخلاقيةٍ وإنسانيةٍ، فلا مشكلة فيها، وإذا كان من مشكلةٍ، فهو في تفريغها من مضمونها القيمي والإنساني، وتحويلها إلى حالةٍ عصبويةٍ تنغلق على ذاتها، فيما يعنون بالطائفية، وهي بطبعها هجوميّةٌ إقصائيّةٌ إلغائيّةٌ تبتغي الغلبة وتحسين مواقعها والاستيلاء على الدولة، ولو على حساب الآخر.. وإن لم تنجح تهدّد بالانفصال، وهي بذلك تنتج طائفياتٍ وعصبياتٍ مقابلة تهدد الوحدة الوطنية والاستقرار الداخلي".
ورأى سماحته أنَّ استشراء الطائفية يلغي المواطنة، بحيث يلحق المواطن بطائفته لا بوطنه، ويتحول إلى رقمٍ في قطيع الطائفة، وتصبح حقوقه رهينة بمصالح زعماء الطوائف، ويلغي الدولة التي تقوم في الأساس لخدمة المصالح المشتركة، الأمر الذي يجعل الدولة موضع تنازعٍ وتقاسمٍ، لتتحول ساحات الوطن إلى مواقع حربٍ متبادلةٍ تهيئ الظروف لدعوات الغلبة والانفصال والتقسيم، ما يفتح الأبواب للاستعانة بالخارج، حتى لو كان شيطاناً تتقوى به لتعينها على الطوائف والفئات الأخرى.. وهذا ما سمعناه مراراً في لبنان، وحتى خارج لبنان، ومنْ أكثر من رمزٍ طائفيٍ...
وتوقَّف سماحته عند علاقة الطائفيّة بالإرهاب، الذي تتضاعف خطورته في ظلّ الأنظمة ذات الطابع الطائفي أو المذهبي، فهو يتغذى من الحساسيات الطائفية والمذهبية وانقساماتها من جهة، ويسعى إلى تعميقها من جهةٍ أخرى، وهو يعطي الانقسامات ذات المضمون العصبوي والسياسي عنواناً دينياً، ليمنح شرعيةً وقداسةً لنفسه ويبرر العنف الأقصى، ولو أدى ذلك إلى إلغاء الآخر المختلف، أياً كان مجال الاختلاف وطبيعته..
واعتبر سماحته أنَّ ما يحدث فتح شهية القوى الإقليميّة الدوليّة على التدخل والامتداد في بلادنا.. حتى باتتْ أسيرةً ومستتبعةً للخارج الذي بات يتحكّم بشكلٍ شبه كاملٍ بمسار الصراع وحدوده وتوقيته وحلوله، وهو ما يزيد الأمور تعقيداً...
ودعا سماحته إلى إعادة الاعتبار إلى مفهوم الدولة التي تمثّل طموحات المجتمع وتستوعب تنوعاته، وهي دولة العدالة والحرية والمساواة.. دولة المواطنة.. دولة الإنسان.. الدّولة الّتي يتساوى فيها جميع المواطنين أمام القانون، فلا تتحكّم طائفةٌ بطائفةٍ، أو قوميّةٌ بقوميّةٍ، أو فئةٌ بفئةٍ، أو فردٌ بشعبٍ...
وأوضح أنّ أغلب القوى الفاعلة في مجتمعاتنا تدعي رفضها للطائفية، ولكنّها إنْ أحرجت وعاكستها الظروف، فإنّك تراها تؤكد على الحلّ الّذي يدعم كيانها الطائفي من خلال المطالبة بضمانات، ولو على حساب الطوائف والفئات الأخرى.
وحثّ سماحته الحقوقيين وأصحاب اختصاصٍ في الدساتير والقوانين على تحمل مسؤولية تقديم الصيغ المناسبة لحل الإشكال القائم بين عنوان المواطنة وعنوان الطائفة، على خلفية أنّ الشعور الطائفيّ، ولأمدٍ بعيدٍ، سوف يبقى مؤثراً على حساب الشعور الديني والإنسانيّ، وعلى حساب الشعور الوطني والقومي، الأمر الذي يتطلَّب توفير الضمانات للطوائف التي تخشى على حضورها، وخصوصاً عند المنعطفات السياسية الكبرى، معتبراً أن معالجة هذه المشكلات تحدّ من الإرهاب ومن عبث العدو الصهيونية والخارج في بلادنا.
وأخيراً، أكّد سماحته ضرورة تطهير الطائفة من النزعات العصبوية والسلطوية، واستعادتها إلى أحضان الإيمان والقيم الإنسانيّة، لتكون هذه القيم العنوان الرابط بين أفرادها، والدليل على إظهار تهافت ادعاءات التيارات الإرهابية بأنها تحمي الدين، وهي التي أساءت إليه وألحقت به أضراراً لم يلحقها به أحد من قبل.
كما تحدث في الندوة كل من الدكتور عبد الحسين شعبان، والوزير السابق إدمون رزق، والدكتور بشير الحنتوش. وفي الختام، تم تقديم درع تكريم من الاتحاد لسماحة العلامة السيد علي فضل الله، تقديراً لجهوده في التقريب والوحدة.