بمناسبة مرور عامٍ على اختطاف المطرانين بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم في سوريا، أقام ملتقى الأديان والثّقافات للتنمية والحوار، برئاسة سماحة العلّامة السيد علي فضل الله،في قرية الساحة التراثية، لقاءً تضامنيّاً أطلق نداءً مشتركاً للإفراج عنهما، وذلك بمشاركة ممثّلين عن حزب الله، حركة أمل، منظّمة التحرير الفلسطينيّة، السَّفارة الإيرانيّة، السَّفارة السودانيّة، شيخ عقل الطّائفة الدرزيّة وحركة حماس،وبحضور كل من المطران دانيل كوريا، الشيخ سامي أبو المنى، المنسق العام لتجمّع اللجان والروابط الشعبية الأستاذ معن بشور، وفد تجمّع العلماء المسلمين، رئيس مفوضية حقوق الإنسان، ممثل عن الرئيس سليم الحصّ وعدد من الشخصيات الإعلامية والثقافية والإجتماعيّة المهتمّة.
وبعد أن قدّم فضيلة الشّيخ حسين شحادة للقاء، معتبراً أنَّ هذه الجريمة الموصوفة تستهدف أخطر مشروع في الشّرق الأوسط، وهو تهجير المسيحيين من المشرق، كما وتستهدف خطف روح المسيحية والإسلام والقيم المشتركة بينهما، وخطف الدور الّذي اطّلع به المطرانان في هذا المجال، ألقى رئيس الملتقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله كلمةً استنكر فيها الصّمت الرسمي والسياسي والديني حيال هذه القضيّة التي تمسّ المسليمن والمسيحيين على السواء، كما وتمسّ مسألة التنوع في العالم العربي والإسلامي، مؤكّداً أن الديانة المسيحية "من عمقنا الحضاري"، وأنَّ "فيها شيئاً من ذاتنا الإسلاميّة"، داعياً كل من يملك الإمكانات لا سيما المسؤولين السياسيين في لبنان والمحيط العربي والإسلامي إلى إيلاء هذه القضيّة الأهميّة الكبرى، قائلاً:
"لقد كشفت إفرازات الحرب التي تدور رحاها في مناطق متعدّدة من العالم العربي والإسلامي، وجهاً لم تعهده من قبل ثقافتنا العربيَّة والإسلاميَّة؛ ثقافة المحبة والرحمة، كما في العديد من الممارسات المسيئة إلينا كمنتمين إلى هذه الحضارة، وكأديان سماوية انطلقت من الشرق وكانت منارات للعالم.
ومن هذه الممارسات، ما طفا على السطح من فتن، وقتل للآخر، ودمار، وتهجير، وخطف طاول كل فئات المجتمع، ولم يوفّر حتى العلماء والرموز الدينيَّة الإسلاميَّة والمسيحيَّة، فضلاً عن المساجد والكنائس والمقامات الدينية. وما حصل للمطرانين بولس يازجي ويوحنا إبراهيم، ما هو إلا نموذج لهذه الممارسات! وهما من الأشخاص الذين يعرف القاصي والداني مدى انفتاحهما على الجميع في العمل الإنساني والروحي الذي يستهدف حماية الإنسان ورعايته، بعيداً عن هويته السياسية والدينية وما إلى ذلك... أقول ذلك من موقع معرفتي بهما، وهذا المكان يشهد على ذلك، في اللقاء الذي تم مع المطران يوحنا إبراهيم في أول لقاء تأسيسي لملتقى الحوار.
ونحن عندما نتوقف عند قضية المطرانين، نتساءل عن المبرر الذي يدفع الخاطفين إلى ممارسة هذا الأسلوب ضد هذه الرموز التي تجسّد نموذجاً أخلاقياً وإنسانياً للأمة، فلا المبرر الإنساني والأخلاقي يسمح بذلك، ولا الدين!..
كما نتساءل عن السبب وراء صمت الكثيرين حيال ذلك، ممن هم في مواقع المسؤولية السياسية أو الرسمية، وكذلك من هم في مواقع دينية. ونحن نرى في هذا الصمت تشجيعاً للخاطفين على الاستمرار في ممارسة مثل هذا النوع من الخطف، الذي قد لا يتوقف عند المطرانيين، بل سيمتد إلى كل المواقع، حيث لا حرمة بعد ذلك لأحد.
إن في خطف المطرانين ليس اعتداء على طائفة لها تاريخها وجذورها وأصالتها في هذه المنطقة فقط، بل اعتداءً على كل القيم الإنسانية جميعاً، واستهدافاً لكل مكونات حاضرنا ومستقبلنا وعيشنا المشترك وللوحدة الوطنية. ومن هنا، فإننا نرى في التحرك لرفع الظلامة عن المطرانين، وإعادتهما إلى ساحة حركتهما وعملهما، مسؤولية دينية وإنسانية، تقع على عاتق الجميع، من علماء دين وهيئات سياسية ومدنية وحقوقية، وأيضاً مسؤولية كل هذا العالم الذي يتحدث عن حقوق الإنسان.
إنَّ هذه القضيّة لا تقف عند حدود المسيحيين، بل هي قضية المسلمين أيضاً، وقضية التنوع الذي نصرّ عليه في عالمنا العربي والإسلامي، فما يؤلم المسيحيين يؤلمنا وما يصيبهم يصيبنا. إنّ في المسيحية شيئاً من ذاتنا الإسلامية، ونحن نؤكد دائماً أن في المسيحية شيئاً من الإسلام، كما في الإسلام شيء من المسيحية. وهذه الديانة أصيلة في هذه المنطقة، وليست طارئة، فهي من عمقنا الحضاري، وقد لعبت أدواراً أساسية في مسار نهضة الأمة وتطورها الحضاري، لا يمكن التنكّر له.
إنّنا في هذه المرحلة بالذّات الّتي تواجه فيها الأمّة كلّ هذا التمزّق وهذه الانقسامات، في أمسّ الحاجة إلى من يعمل على بلسمة الجراح، وإيقاف نزيف الدم، ومنع إهدار الكرامات وإسقاط الحرمات. ونحن في ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار، سنبذل ما أمكننا من جهود في هذا السبيل، ونقدّر كل الجهود التي بذلت، وندعو كلّ من يملك الإمكانات والقدرة، وخصوصاً المسؤولين السياسيين في لبنان والمحيط العربي والإسلامي، إلى إيلاء هذه القضية الأهمية الكبرى، حتى يعود المطرانان إلينا وإلى عملهما الوحدوي والحواري، وإلى رحاب الحرية التي نريدها للجميع".
بعد ذلك، تحدّث المطران دانيال كوريا الّذي دعا إلى عمل جدّي ومخلص يكشف النّقاب عن هذا العمل الشّنيع، ويعيد المطرانين إلى أبرشيتهما، فيما أكّد الشيخ سامي أبو المنى على ضرورة إطلاق سراحهما في سبيل خدمة الإنسان، لأنهما عنوان المحبّة، والإنسان في سوريا ولبنان يحتاج إليهما.
من جانبه، رأى الشيخ ابراهيم البريدي أنَّ الإعتداء على المطرانين مخالفةٌ واضحة لوصايا ووحي رسول الله، داعياً إلى بذل الجهود من أجل إطلاق سراحهما. جهودٌ أكّد رئيس المفوضيّة الدولية لحقوق الإنسان في العالم الدكتور محمد شاهين أمين خان أن المجتمع الدولي سيقف بجانبها ويدعمها، وقد دان في كلمةٍ ألقاها الحكومات الدّاعمة للمجموعات الإرهابيّة التي لا بدّ سيواجهونها يوماً ما.
إلى ذلك، طالب الممثل عن حركة أمل الأستاذ حسن قبلان القائمين على هذا اللقاء ببعث برقيات إلى الأزهر الشريف والحوزة العلمية في النجف والحوزات الدينية في الزيتونة لمتابعة هذه القضيّة، كما وتوجيه دعوة لعقد مؤتمر لوزراء الأوقاف في العالم العربي لبحثها، فيما أكّد ممثل حزب الله الحاج غالب أبو زينب على السعي الدؤوب دونما كلل أو ملل لمعالجة هذه القضية ورفع صوت المحبّة والسلام، مؤكّداً على أن للأرض العربية هويّة مشتركة إسلامية مسيحية لا منّة لأحدٍ فيها على أحد.
وفي حين دعا الأستاذ مروان أبو فاضل الدول القادرة إلى القيام بما يجب عليه االقيام به من أجل إطلاق سراح المخطوفين، شدّد رئيس الرابطة السريانية حبيبا فرام على اتباع خطوات عمليّة جادّة وتوجيه دعوة للسفراء العرب في هذا المجال، فيما اعتبر كل من ممثل حماس في لبنان علي بركة والأستاذ ناصر حيدر أن الخاطفين يستكملون المشروع الصهيوني بجريمتهم، والتي لا تختلف عن جرائم العدو الصهيوني بأسرالآلاف واقتحام باحات المسجد الأقصى وفرض الحصار.
من جهة أخرى، صرّح السفير علي خليل أنه نقل قضيّة المطرانين إلى أمير قطر أثناء زيارته له الأسبوع الفائت، مؤكّداً أنّه تبلّغ من بعض الوسطاء جهوزيتهم للتعاون في سبيل معالجة هذه القضية. كما تحدّث الأستاذ مالك المولوي قائلاً: "نرفض أن يصبح المطرانان كبش محرقة لما يجري على الساحةا لإقليميّة والسوريّة من حروب وإرهاب ودمار". أماّ المحامي ابراهيم عواضة فرأى أن الهدف من عمليّة الخطف هو التّآمر على سلاح المقاومة، بينما اعتبر السّيّد أحمد مرتضى أنهميريدون اختطاف ديانات السماء، دونما تمييزٍ بين المذاهب والطّوائف، فيما وجّهمينسرحركةفتحوفصائلمنظمةالتحريرفيلبنانفتحي أبو العردات نداءً بإطلاق أوسع حملة تضامن مع المطرانين تتحرّك بشكلٍ يوميّ وترسم برنامجاً واضحاً لمتابعة القضيّة مع المعنيين من رؤساء ومؤسسات أهلية ودينية وحقوقية..
وقدبعث كلّ من سفير كوبا ولجنة أهالي المفقودين اللبنانيين برسالة تضامن ودعم وتحية للّقاء، الّذي ألقى الأستاذ عبد الحسين شعبان في ختامه بياناً مشتركاً دعا في نهايته المهتمين بالقضية إلى التوقيع عليه، وقد جاء فيه: "نهيب بالرأي العام العربي عامّة والسّوري خاصة، وندعو هيئاته الرسمية والمدنيّة إلى بذل كلّ الجهود الممكنة لكشف مصير المطرانين يوحنّا إبراهيم وبولس اليازجي وإطلاق سراحهما".