أقامت جمعية "كلمة حياة" حوارا حول مفهوم "الرحمة الالهية وسبل عيشها" مع راعي أبرشية جبيل للموارنة المطران ميشال عون، مفتي جبيل وكسروان للطائفة الشيعية الشيخ عبد الامير شمس الدين ومفتي جبيل للطائفة السنية الشيخ غسان اللقيس.
بعد النشيد الوطني، أدار الحوار الأب طوني خوري الذي أشار في كلمة الى "أن الرحمة ليست عمل الله وحسب، بل هي أيضا وبالضرورة عمل أبناء الله، لا بل هي المعيار لفهم من هم أبناؤه الحقيقيون، والمسيحية والاسلام تحملان هذا الوجه، وتطلان به على العالم، فتعملان سوية على صنع عالم يليق بالانسان، والهدف من هذه الندوة الحوارية، ليس تسجيل نقاط في مرمى الآخرين، وانما كشف النقاب عن جمال الرحمة الالهية الذي يستريح في كل من المسيحية والاسلام".
واعتبر المطران عون أن "الرحمة هي الله الذي صار انسانا، لأن الرب يسوع هو الذي أظهر لنا وجه الله، وقال "لم آت من ذاتي"، وكل تعاليم يسوع كان هدفها تعليم المحبة وكيف تتجسد بأعمال الرحمة، وأعطى يسوع مثالا على ذلك بذكره قصة الابن الضال ما يبين لنا أنه عندما ابتعد الابن الصغير عن منزل والده، فانه عاش الفقر ولكنه عاد فيما بعد وتاب، والآب يعامل البشر دوما بالرحمة".
وأشار الى انه "مما لا شك فيه، فان رحمة الله هدفها خلاص الانسان، والرب يسوع كرر أكثر من مرة أن الأصحاء لا يلزمهم طبيب، ويعطي أمثلة تضيء على هذه الحقيقة، وهناك تأكيد أن الرحمة أصبحت بشرا في شخص يسوع الذي يعلن عن محبة الله التي لا يمكن ان تعاش الا من خلال الرحمة".
أضاف: "ان الكنيسة اكتشفت أهمية هذه الرسالة للاضاءة على كون الانسان أصبح ماديا وينظر الى الآخر من باب المنفعة فقط، لذلك أعلن البابا فرنسيس سنة الرحمة عله يهدي طريق الانسانية الى الخلاص الذي تستحقه".
وقال عون: "عندما سأل أحدهم يسوع عما هي أكبر الوصايا وأعظمها، أجابه أنها محبة الله وأن تحب قريبك بنفس الدرجة، ودعوة الكنيسة هي العودة الى الانجيل، أي الى الجذور، ونحن في أبرشية جبيل قمنا بخطوات عدة ومنها توعية أبنائنا على أهمية المحبة، واتخذنا على أساس ذلك مبادرات عدة كتفعيل صندوق الخدمة الاجتماعية، وتقديم المال للفقراء والمحتاجين، واستحداث مركز اجتماعي في الابرشية، فضلا عن زيارة السجن والصلاة مع الموقوفين للقول ان الكنيسة هي بقربهم".
من جهته، أشار الشيخ اللقيس الى أنه "ينبغي على الانسان معرفة أن الرحمة هي اسم من أسماء الله، وهناك فرق بين الرحمن والرحيم، وهذا ما يدل على سعة رحمة الله لعباده، والرحمة هي ضرورة ومطلب حياة للانسان الذي خلق ضعيفا وبات بحاجة للرحمة، التي تعني من جملة ما تعنيه أنها مد يد العون والمساعدة لمن يحتاج اليها".
وتابع: "ان الرحمة تعني كذلك القيام بالواجب، خصوصا بين الآباء والامهات من جهة والأبناء من جهة ثانية، والقرآن الكريم وصف بأجمل الأوصاف الوالدين، وتاليا مطلوب تفعيل الرحمة استنادا الى مقولة " من لا يرحم الناس لا يرحمه الله ".
أضاف: "ان الانسان مدعو الى ممارسة هذه الرحمة التي هي شاملة لكل مراحل الحياة، ونحن مدعوون اليها في كل زمان ومكان، ومجتمعنا بأمس الحاجة اليوم لأن يرحم بعضه بعضا بعيدا عن الخلافات".
وتمنى أن "يعم طرح البابا فرنسيس لسنة الرحمة في كل العالم، وعسى أن يدخل هذا النداء في قلوب المسؤولين ليوقفوا الحروب العبثية التي تخاض باسم الدين والانسان أحيانا ولكن الاثنان براء منها بالطبع".
وشرح الشيخ شمس الدين أنه "يجب أن نفرق بين الرحمة التي تنسب الى الانسان وتلك التي يتصف بها الخالق العظيم الذي تعتبر رحمته شاملة لكل ما هو في الوجود، والرحمن هي صفة تعني العموم والشمول في كل الوجود، ورحمة الله هي انتصار للمظلومين وهزيمة للظالمين، والله انما يرحم أولئك الذين يسيرون على طريق الهدى، ورحمته ثابتة في الدنيا والآخرة، ولذلك يقول الله أنه علينا ان نتعارف ونتعاون على بناء الحياة".
واعتبر أن "اولئك الذين ينتسبون الى تنظيم "داعش" ليسوا مسلمين ولا يمكن ان يكونوا جزءا من رحمة الله، وانما يقومون بكل أنواع الفساد والافساد التي تفرضها الانسانية على وجه الأرض، وكذلك لا يمكن أن يقبلهم الله، فالاسلام هو الخضوع والطاعة لكل ما يأمر به الله، فلا تنزع الرحمة الا من الشقي"، مشيرا الى أن "الامام محمد مهدي شمس الدين يعطي المزيد من الأمثلة في هذا الاطار".
وقال: "ان البابا فرنسيس وكأي مرجعية دينية استقت علمها وروحانيتها من السماء يؤمن أن الله يريد المحبة للجميع، ونحن في الاسلام نؤمن بالمسيح كما نؤمن بمحمد، ولا تفرقة بين رسل الله".