بقلم سماحة الشيخ حسين أحمد شحادة
الحوار في بعض معانيه هو التفكير والتفكير فريضة قرآنية تربو بالحوار , ولولاه ما كان للإنسان معنى في كينونته ناطقاً وسميعاً ومبصراً .. وخالق الإنسان سبحانه جعل منه خليفة بالكلمة الإلهية التي رسمت له طريق الحوار وإدارة اختلافاته حفزاً على طلب المعرفة وابتكارها لغةً وفكراً وأسلوب حياة وذلك لكي يصبح الحوار بها ومعها ثقافة يومية ترافقه حيثما كان فيزداد وعياً بإنسانيته وإدراكاً لمسؤولياته فيأتلف بها ويختلف عليها , ولكن المواصلات الفكرية والأخلاقية تحمي ما تالف منها وما اختلف من الانقسام والتصدع في عالم مخلوق لكي يختلف .
وبهذا يتصل الحوار بالعقل والعلم وتقدير القيم لما هو خطاً أو صواب , كذلك أضاء الحوار ما كان مظلماً بالأمس ويضيء غداً في مستقبل أبنائنا ما هو مظلماً في حياتنا المعاصرة , ولا يكاد الحوار الديني يختلف عن حاجاته الإنسانية , ونستطيع أن نذكر من رسالته وأهدافه هذا المعنى من حوار الحياة وقد مثلنا بعنوان التربية على الحوار الديني بهدف أمرين من أمور التربية :
أحدهما : الإلفات إلى أن الفكر الإرهابي لا يمكن إلغائه من عقول الناشئة إلا بضبط مناهج التعليم ومقرراته الدراسية لا في مراحل التعليم الابتدائي فحسب بل في مراحل التعليم كافة.
ثانيهما : تعميم ثقافة الحوار لنواجه بها تحديات ما نراه من هوة تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم داخل المجتمعات الدينية ومؤسساتها , وحسبنا أن نلفت إلى أن شعارات ازدراء المذاهب الدينية لبعضها هي اليوم من أخطر الشعارات السائدة في شتى ميادين الاجتماع الديني والسياسي والثقافي .
وإذن لا بد من إعادة النظر في إطار التعليم الديني وتصحيح مناهجه في ضوء التفسير الاجتماعي للدين من جهة , والتأسيس لكتاب الأخلاق الدينية والتربية على الحوار من جهة ثانية , وذلك من أجل أن نقيم تعليماً دينياً محوره إنسانيات الدين وأخلاقيات المشترك الديني باعتبارها أصلح لمشكلات الوطن العربي المأزوم بالهويات الدينية وثقافتها المزروعة في أرضنا على خطاب التناكر والكراهية باسم الدين .
وأراني أدعو الكفاءات والاختصاصات التربوية إلى التفكير جديا في الخروج عن الأطر التقليدية للتعليم الديني وتطويرها بانتهاج أساليب موضوعية جديدة تناسب حاجة الواقع الديني وأزماته وأمراضه الفكرية والروحية , وقد عالجها الطب النفسي في الغرب بجراحات المخ أو بالصدمة الكهربائية لترويض ظواهر الهوس العقائدي وحالات الاكتئاب الانتحارية , ومن وجهة نظر بعض الباحثين فإن ضروباً من العقاقير استخدمها العلم في القرن الماضي وأحدثت فعلها فيمن يسمونهم في عالم الأمراض النفسية بالفصاميين أي الذين يعيشون بأوهامهم الداخلية في عالم يختلف اختلافاً بعيداً عن عالم الواقع المحسوس الذي يعيش فيه سائر الناس , فهل من جراحات لكتاب التعليم الديني تحدث فعلها فيمن نسميهم اليوم في عالم الأمراض الدينية بالمتطرفين والتكفيريين الذين يمتهنون القتل العبثي وسفك الدماء بوهم التقرب إلى الله زلفى .
فلم يعد من الجائز في عصرنا هذا اعتماد المناهج الدراسية التي أنتجت ثقافة العنف وحركاته التكفيرية , وما من شك في أن صورة المستقبل العربي والإسلامي صورة مظلمة فيما لو استمرت الاتجاهات الحالية للفتن الدينية العمياء , ومن حق الأجيال علينا أن نجاوز الهوة التي تجرنا إليها هذه الفوضى بإصلاح طرائق التعليم الديني من حيث مستواه ومحتواه ومن حيث ملاءمته لأغراض الهداية القرآنية في التوحيد ووحدة الأمة وسلامها الديني والسياسي والاجتماعي .
ولكي لا يكون علم الدين بلا دين فإن التربية على الحوار هو المدخل الذي أميل إلى اقتراحه لتمرين عقولنا وسلوكنا لا على اكتشاف العوامل المحيطة بأزماتنا الدينية فحسب , بل على اجتراح الحلول العلمية والموضوعية لواقع تلك الأزمات , ولن يكون الحل بإقامة الحواجز بين الأديان ولا تبديد الظلام بالظلام فلا ترى من مذاهب الدين وطوائفه إلا انطواء وإلا هروباً من مسؤوليات الحوار والإصلاح بإغلاق النوافذ وإسدال الستائر , وما يزال سؤالنا ومن ألف عام جارحاً ومجروحاً : كيف نغالب الفتن الدينية المقدسة في عقول دينية مزروعة بالفتن وفي مدن عربية وإسلامية طافية على زيوت الجهل والجاهلية والفتن .