ننبّه إلى خطورة الإمعان في الخطاب الطّائفيّ والمذهبيّ، الَّذي بات الحديث فيه أمراً عادياً، من دون التبصّر في تداعياته، حيث تضجّ المنطقة بصراعات تأخذ بعداً مذهبياً وطائفياً، وحيث بتنا نسمع من هذا المسؤول أو ذاك، حديثاً عن حقوق مهدورة لهذه الطائفة، ونسمع جهات دينيَّة تتحدَّث عن اضطهاد يحصل لهذا الفريق المذهبي أو ذاك، فيما لا نسمع أيّ حديث عن التّهديدات الّتي يتعرَّض لها لبنان في جنوبه وبقاعه، ما يهدّد مصيره، في وقت تُرسم خرائط المنطقة بالدم، بعيداً عن مصالح أبنائها ومستقبلهم وخياراتهم.
إنَّنا ندعو الجميع إلى الابتعاد عن هذا المنطق الَّذي لا يؤدي إلا إلى شدّ العصب واستدرار مشاعر الخوف من الآخر، وهو لا يبني وطناً ولا مستقبلاً، مع إيماننا بأنه لا ينبغي لطائفة أو مذهب أو موقع سياسيّ أن يشعر بالغبن والظّلم والإجحاف، وإذا طالبنا، فليكن بالمنطق الجامع الّذي يتحدَّث عن الغبن لدى الجميع، والمظلوميّة لدى الكلّ، فلا نمذهب الغبن، ولا نطيّف المظلوميَّة.
وهنا، نربأ بالعلماء أن يتحدثوا بهذه الطريقة، بالنظر إلى موقعهم وما يمثلونه، ولكونهم معنيين أكثر من غيرهم بإطفاء لهيب العقول والقلوب عندما تُستثار الغرائز المذهبيّة والطائفيّة، وتشحن النفوس بالحقد والعداوة، وأن لا يعملوا على إشعال فتيلها أو صبّ الزيت على نارها، وأن يكونوا منسجمين مع القيم التي يحملونها، والّتي هي قيم الوحدة، وأن لا يتنازعوا، ويعزّزوا القواسم المشتركة، وصولاً إلى تقديم التنازلات لحساب ذلك.
وانطلاقاً من ذلك، فإننا نعيد الدعوة إلى تعزيز لغة الحوار والخطاب العقلاني، كبديل من كل خطابات الشارع والبيانات النارية التي لا تجدي سوى استنفار غرائز الآخرين وشدّ عصبهم، وتسمح لكل المصطادين بالماء العكِر أن يجدوا مجالاً رحباً لهم.
سماحة العلامة السيد علي فضل الله