آفاق..في صـورة مـريم أو دمشـق
٨ تشرين الأوّل ٢٠١٦
بقلم: العلامة الشيخ حسين أحمد شحادة
-1-
أيامك قمر على وشك الغياب، لا حلم في نبض قلبي كي أخاطرك بالحقيقة يا صديقتي البعيدة، الليل أعمى في جسد الظلام، وها هنا الليل بلا طرق، والليل هنا يسكر كل يوم بانتظام، ويدي لا أراها لأكتب عن حبنا، عبثاً وصاياي الأخيرة، حبيبتي لا تشربي ملح السراب، لا ترقصي فوق الضباب، ولا تنادي بقية الصور ألف عام من الفراغ، ألف عام من الموت إلى الموت، فلا تكتبيني، لا تكتبي القصيدة.
-2-
وحين يختفي الشرق تحت نقاب الشرق توافيك القصيدة، وفي كل اللواتي كتبن قصائد الأرض، وعدن أمهات، فكن أنت وأمك، كأن لكل قصيدة من بلاغات النساء، بليغة، ترعى رمق الوقت، لكي تحرس الشمس الأخيرة، وحين تغرب الشمس اليتيمة، عن يوم الأرض، يصاحبك قبل فوات الأوان وجه أمك، طالعاً برفيف عينيك إليك، في صورة مريم أو فاطمة أو دمشق .
-3-
قاسمتها الكواكب والأنجم الزهر جنة الضوء، بحاميمِ البدايات وخواتيم النهاية، ويقال، من أجلها انتظر الكون تباريح سرها، لكي يكتب من وريد ما تناسخ من فائض حبها بنور الحب قصته الكاملة، وكاد الاسم يفترع الروح ليوضح اسمها، لولا أنها من أبعد الأشواق، من أول الضوء، ومن قديم اللهفة إلى عطش الأرض للحب، كانت أم أبيها، فتبدت لآه الأرض وتغريبة الحزن نوارة، بسفر تكوين الأمومة.
-4-
وياما كنت أناديك، إذا اختلف اللصوص إلى معبدك، ورأيت تسابيح الله خناجر، إني أخاف على صلاتي من شياطين الصلاة، أخاف عليك، مرة أخرى يفاجئني الفراغ، ولا اسم للفراغ إلا أنه الوقت المتساقط من أشجارنا العارية وموتنا السريري، فماذا أقول؟، يموت الكلام، حين يزف الموت بموسيقا الحزن غيابك، وإليك يا هيكل الحزن، يا عاشق الشام وعروبتنا، إذا احتفل المنشدون بمثواك الأخير، قم إلينا، وافتح من نعوشنا، ومن تخوم الفراغ، قصيدة للوقت، ولتكن قيامتك.
– 5 –
تنام ليلى في أقانيم اللغات تقاطع الموت، الكلام، والحروب تقول: دع قلمك، سقط الخمار تعبنا، ألف ذئب عض خاصرتي، فابتدأ من كل شيء أبيض من صدري المكشوف يغطيك من قمر لا ينطفئ، يرسم أحلامك، آه يا بردى القصيدة، يا قمحية الوجه يا أمي، أنا لي يا دمشق من بردى ليلى، ولي مريمات غزة، زينبات الجنوب، ولي من ياسمينة الصبح، وجهك وجهاتك الأربع، كم كتبت، وكم من كلمة كتبت يداك أحبك، إني أحبك يا دمشق.
-6-
وناداني من أشجارها صوت حزين، لم يأت وقت مثل هذا الوقت على أشجارنا، وكان الصوت جريحاً يأتي من حفيف الظل الساقط في دمي، ها هي الآن التي تشرب روحك وقد صارت قمراً، آه يا وطني العاري، نادت، لا تمشي وحدك في الليل والمسافات بيني وبينك من شجر, والنهر ها هو الآن يستعد لامرأة وأغنية كانت تسمى شجرة.
-7-
يحق لي، أن أرفع شارة الحب، واتبعك، أدور في بساتين القرى وألقي عليك السلام، لأحفظ في كل سنبلة اسمك كبرت يا أبي، أهديك عمري نشيد الأناشيد، نشيدك ولا أزال أراك يا أيها العربي، طالعاً من صيف وجهك، الشمس تسند قلبي إلى قلبك، بملء جروحك وتأخذني يا سيدي الوطن إلى وطني، لأعرف طعم الصباح وطعم الحب تدلى من ورود الدار وشبابيك الجيران، ولا أحد سواك حين يموت النهار في منافينا الأخيرة، ويكون الزمان على وشك السقوط عن جدار الظلام، والمدن البقية التي جمعت أطفالها وأحلامها، كي ترسم بالصور ترجمة المكان، أو تستعير سدى من ضباب الغربة، من أدمع القلب قمراً يطل، على أبواب منازلها ويسهر.. ثقيلة منافينا.. بعيدة منافينا، يا سيدي الوطن!.