أكثر من 47 مؤرخاً وباحثاً لبنانياً من مختلف المناطق دوّنوا صيدا بتاريخها وجغرافيتها واقتصادها وتكوينها الاجتماعي، كتبوا عنها نثرًا وشعرًا، فتناثر في أرجاء الدنيا الأربعة، بالعربية والتركية والفارسية والإنكليزية والفرنسية، وغاصوا تفصيلاً بعاداتها وتقاليدها ومساجدها وكنائسها، ومعالِمها الاثرية والسياحية، بالزوايا الصوفية ومقاماتها الدينية والحمامات.
إن خروج تاريخ صيدا ومؤرخيها الى الضوء والعلن، جاء عبر مبادرة قامت بها جمعية "أنتج" بالتنسيق مع بلدية صيدا من اجل الوصول الى "مشروع يجمع هذه الكتابات ويخصص لها ركنا في مكتبة البلدية لتكون في متناول الباحثين والمهتمين من طلاب العلم والمعرفة"، حيث يؤكد رئيس جمعية "أنتج" الباحث الدكتور صلاح الدين ارقه دان لـ"النشرة"، ان هذه المبادرة جاءت لتكريم هؤلاء الذين كتبوا عن المدينة، "فكان حقهم علينا وعلى المدينة أن نشكرهم على جهودهم وأعمالهم، فلا يشكر الله من لا يشكر الناس، وفي الوقت نفسه اطلاق دعوة إلى قيادات المدينة وإلى مجلسها البلدي وإلى مؤسساتها الثقافية، من اجل التعاون لمشروع سنوي مستمر غايته تشجيع الكتابة والبحث والتأليف من اليوم وإلى ما شاء الله بنفس علمي وقلم موضوعي ورؤية استراتيجية تنظر إلى مستقبلنا كما نحبه ونرتضيه لا كما يختاره لنا الغير ويحاول فرضه علينا".
ولفت الدكتور ارقه دان إلى ان صيدا مدينة أنجبت الحرف والكلمة والكتاب وتلقّت الحرف والكلمة والكتاب وصدّرت الحرف والكلمة والكتاب، هي أم تجمع تحت عباءتها كل أبنائها بكل ألوانهم ومشاربهم لا تفرق بين أحد منهم إلا بمقدار ما يقدم لها وللإنسانية جمعاء وتعيش عشرة آلاف سنة من الوجود الإنساني وألفي سنة من زيارة السيد المسيح وخمسة عشر قرناً من حضارة عربية إسلامية إنسانية جامعة وتمارس كل شعائر العيش المشترك بعيداً عن عمليات التجميل والكلمات البروتوكولية المصطنعة وتعيش حياتها اليومية بانسيابية وأمومة وأخوة وبنوة بارّة، تستحق من كل هذا الجهد لابرازها بما يليق بمكانتها وأهلها.
من جهته، يؤكد رئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي لـ "النشرة"، ان كل من يزور صيدا يرى المسجد والكنيسة، ويسمع الآذان والناقوس، كلّ يدعو إلى عبادة الله والتمسك بمكارم الخلاق، ومن يتجول في شوارعها الحديثة وأزقتها القديمة، يلمس هذا النسيج الإنساني الذي يكاد يختفي في بعض المجتمعات الأخرى، أما من يتجول في تاريخها القديم والحديث، العلمي والاجتماعي والاقتصادي، فيرى أنموذجاً يُحتَذى به في اجتماع أبنائها جميعا على مقاعد الدراسة في مدارس الحكومة ومدارس المقاصد والإنجيلية الوطنية والراهبات والآباء اليسوعيين، يجلسون أساتذة وطلاباً من مختلف مكونات المجتمع الصيداوي ومحيطه بلا تفرقة ولا انحياز.
تاريخ وذكريات
أرّخ مفتي صيدا والجنوب الراحل الشيخ محمد سليم جلال الدين عن بعض ذكرياته في صيدا وما مرت به من الانتداب الفرنسي والثورات ضده والجهاد الفلسطيني ومشاركة اهل صيدا به مرورا باحدث 1958 وتداعيات الحرب اللبنانية عام 1975 وصولا الى الاجتياح الاسرائيلي لبنان عام 1982 والمقاومة لاخراجه من المدينة.
وسرد رئيس حلقة التنمية والحوار الدكتور اميل اسكندر واقع المسيحيين في المدينة بكتاب اطلالة على كنيسة الجنوب من خلال عمل المطران سليم غزال والحركات الرسولية ما بين 1962 حتى 1990 والتي رآها المؤرخ شهادة وخدمة وعيش مشترك في وجوهه الحياتية المتعددة.
توثيق وعامية
في المقابل، وثق الدكتور صبحي احمد عبد الله للعمارة الاسلامية في صيدا من مساجد ومقامات وزوايا بهدف تسليط الضوء على مرحلة مهمة من مراحل فن العمارة الدينية الاسلامية خلال العهدين المملوكي والعثماني بالاضافة الى عناصر معمارية وزخرفات تحت تأثير الاحتكاك بالفنون المعمارية للامبراطوريتين الفارسية والبيزنطية.
وحكى الدكتور طالب محمود محمود قره احمد، عن الامثال الشعبية والحرف والمهن وعن الكلمات العامية المتداولة على السنة الصيداويين حيث ينهج الصيداويون في لهجتهم المحكية نهج العرب في نطق الكثير من الكلمات فيلفظ بعضهم القاف همزة، وقد توصل الى ان اللغة اللبنانية والتي يظن البعض انها لغة قامة بذاتها هي في معظمها وباستثناء الدخيل منها لغة عربية جملت لهجات قبائل عربية.
معالم صيدا
وأرخ الدكتور طلال المجذوب، عن "تاريخ صيدا الاجتماعي ما بين 1840 حتى 1914" بشغف في كشف فترة مهمة من تاريخ صيدا الحديث على الرغم من صعوبته ووعورة الطريق لندرة المصادر الاصلية وصعوبة الوصول اليها حيث استغرق العمل سبع سنوات ونيف موثقا ذلك بأرشيف من مناطق مختلفة من لبنان.
وألف الدكتور عبد الرحمن حجازي دراسة عن معالم صيدا الاسلامية ممهدا الطريق امام الباحثين كي يتعمقوا في دراسة هذه المعالم ووضع الدرسات العلمية التي تعالج الموضوع بعيدا عن الاهواء والغايات وتضم التعريف بمساجد صيدا، الزوايا الصوفية والمقامات والحمامات والاماكن الاثرية.
من ابرز من كتبوا عن صيدا، المفتي محمد سليم جلال الدين، أحمد بشير، الشيخ أحمد عارف الزين، إميل إسكندر، أنطوان عبد النور، المطران جورج كويتر، جوزيف عبود، حليم مجدلاني، خالد ممدوح الكردي، درويش الجويدي، رئيفة الملاح، سمير البساط، شفيق الأرناؤوط، صلاح الدين سليم أرقه دان، طالب محمود قره أحمد، طلال ماجد المجذوب، الحاج عبد الباسط السنيورة، عبد الرحمن عثمان حجازي، عبد الغني الجردلي، عبد الله عطوي، عدنان الأمين، عصام خليفة، عمر عبد السلام تدمري، غسان محمود الزعتري، فادي شامية، فؤاد عسيران، ليلى بدر، محمد المجذوب، محمد حسن محمد حلمي الرواس، الشيخ محمد عبد الله أبو زيد، مصطفى دندشلي، مصطفى محمود سبيتي، منى محمد ضاهر، منير الخوري، نهاد حشيشو، هاشم المدني، هلال حبلي، هلال الصلح، هلال الناتوت، وليد حشيشو، يمنى العيد، يوسف الجباعي، يوسف أبي رزق، مؤسسة الحريري، اضافة الى مؤسسات منها "مؤسسة الحريري، المكتبة العصرية، مكتبة الاتحاد، مكتبة الغزالي".